اخبار دوليةمقالات

أردوغان لم “ينتصر” و المعارضة لم “تنهزم”.. بعد

د. سمير صالحة

بعد 21 عاماً على وجود حزب العدالة والتنمية التركي في السلطة، وعلى الرغم من كلّ الهزّات والخضّات السياسية والاقتصادية التي عانى منها وواجهها في الداخل والخارج، تمكّن مرّة أخرى من الخروج فائزاً بالمقعد الأوّل في معركة الانتخابات البرلمانية الأخيرة. صحيح أنّ عدد مقاعده تراجعت في هذه الانتخابات، لكنّه نجح في صناعة مشهد سياسي وحزبي جديد تحت سقف المجلس النيابي أبقاه على رأس الهرم. ستكون المعضلة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية وإعلان نتائجها بعد أقلّ من أسبوعين. أوّلاً من سيفوز؟ وثانياً ما هي طريقة تقاسم السلطة السياسية؟ هل يطالب شركاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بحصصهم المباشرة في السلطة؟ هل نرى حكومة ائتلافية تضمّ أحزاب تحالف الجمهور الحاكم؟ هل خيار الناخب التركي هذا هو رسالته إلى حزب العدالة والتنمية؟ يعاقبه لكنّه يبقيه على رأس الحكم عبر بطاقة صفراء تُلزمه بالانفتاح على بقيّة الأحزاب وإشراكهم في تحمّل المسؤوليات ومراجعة العديد من مواقفه وقراراته السياسية والدستورية والاقتصادية؟

يحتاج الرئيس إردوغان إلى أقلّ من واحد في المئة للحصول على 50 في المئة من مجموع الأصوات، بينما يحتاج منافسه كمال كيليشدار أوغلو من أجل الفوز في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة إلى 6 نقاط. كيف ستكون عملية الكرّ والفرّ؟ وهل يفاجىء الناخب التركي الجميع بمشهد لم يكن في الحسبان كما فعل في الانتخابات البرلمانية التي صدم فيها الأحزاب والقيادات وشركات استطلاع الرأي عبر مجلس نواب جديد موحّد – مشرذم في الوقت نفسه؟ هل يحوّل بطاقته الصفراء إلى حمراء ويصدم حزب العدالة كما صدم المعارضة في الجولة الأولى؟

حقّق كلّ طرف في المواجهة الانتخابية التركية بعض ما أراد، لكنّه فشل في أخذ كلّ ما يريد.

تفاصيل خارطة تحالفات الجولة الثانية

ستظهر خارطة تحالفات حزبية وسياسية إلى العلن بعد خروج تركيا من الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية مهما كان اسم الفائز. تركيبة المجلس النيابي الجديد، الميول والتوجّهات التي نجحت في الحصول على مقاعد برلمانية هناك من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، محيّرة ومقلقة حقّاً. كيف ستتوحّد الآراء والمواقف أمام ملفّات وقضايا سياسية واجتماعية واقتصادية تتباعد فيها الأفكار والميول؟

لا تختلف أسباب خسارة الطاولة السداسية للانتخابات البرلمانية كثيراً عن أسباب تراجع أصوات كمال كيليشدار أوغلو في المعركة الرئاسية:

– هناك حادثة ميرال أكشينار زعيمة حزب “إيي” القومي ومغادرتها لطاولة تحالف المعارضة وهي غاضبة لأنّها عارضت ترشيح كيليشدار أوغلو، ثمّ عودتها نتيجة الضغوطات الحزبية والسياسية التي أفقدت الثقة بها وبتكتّل المعارضة.

– هناك أيضاً التحالف غير المعلن بين كيليشدار أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطية الذي انعكس إيجاباً في الصناديق لصالح مرشّح المعارضة في المعركة الرئاسية، وخصوصاً في مناطق جنوب شرق تركيا حيث يوجد الصوت الكردي بكثافة، لكنّ الأمر انعكس سلباً على نتيجة المعركة البرلمانية في صفوف المعارضة وفي صفوف حزب الشعوب أيضاً، فتراجعت نسبة الدعم الشعبي لهما حتى لو نجح الأخير في زيادة عدد مقاعده البرلمانية.

– بعد ذلك يأتي عامل محرم إينجا الذي قرّر الانسحاب من المعركة الرئاسية قبل 72 ساعة من الذهاب إلى الصناديق من دون أن يعلن اسم المرشّح الذي سيدعمه. ثمّ أطلق تصريحات سياسية منفتحة على حزب العدالة والرئيس إردوغان جعلت الكثيرين من داعميه يصوّتون للرئيس التركي لمجرّد الانتقام من كيليشدار أوغلو.

– ثمّ هناك عامل الأحزاب الصغيرة التي تحالف معها حزب الشعب الجمهوري فأعطاها أكثر ممّا أعطته هي. منحها الكثير من المقاعد البرلمانية في التحاصص على الرغم من تراجع شعبيّتها، وهو ما أغضب اليساريين والعلمانيين الذين اختاروا عدم الذهاب إلى الصناديق أو صوّتوا لحزب العامل اليساري الاشتراكي الذي حصل على 4 مقاعد في البرلمان مسجّلاً مفاجأة سياسية وانتخابية كبرى

– هذا إلى جانب قلق الناخب التركي من طريقة تقاسم الكعكة السياسية في صفوف المعارضة وعدد نواب الرئيس وعقدة تنفيذ البرامج السياسية والاجتماعية والاقتصادية المعلنة التي لم تطمئن القواعد. فحتى لو كان تحالف الجمهور الحاكم دخل في اصطفافات سياسية وحزبية مشابهة مع أحزاب صغيرة، إلا أنّه يملك فرصة وجوده في السلطة وإقناع الناخب بما حقّقه على الأرض من مشاريع وخطوات عملية.

– برزت قناعة لدى الناخب سبّبت له قلقاً من رغبة المعارضة في تغيير شكل النظام والعودة إلى النظام البرلماني من دون أن تقدّم الأسباب والدوافع المقنعة أوّلاً، وعدم إعلان البدائل المطمئنة مع طاولة سداسية متّفقة في العلن لكنّها مشرذمة مفكّكة متباعدة ومتضاربة المصالح من وراء الستار ثانياً.

العرب هزموا الغرب في الإعلام

– يضاف إلى ذلك إطلاق بعض وسائل الإعلام الغربية والقيادات السياسية مواقف انتقادية لإردوغان وحزبه كان لها المفعول العكسي في الداخل التركي حيث رأى البعض فيها محاولة جديدة من الخارج للتدخّل في شؤون تركيا الداخلية والتأثير في قراراتها السياسية. ينبغي هنا تسجيل حقيقة نجاح الفضائيات ووسائل الإعلام العربية في التعامل مع مسار العملية الانتخابية وحياديّتها وموضوعيّتها في نقل المشاهد والأنباء بشكل متوازن معتدل وشفّاف واستضافة المحلّلين والخبراء المحسوبين على كلّ الميول والتوجّهات الحزبية والسياسية، وهي خطوة ستقرّب أكثر بين المواطن التركي والعربي لأنّها تأتي بعد مراجعة حزب العدالة والتنمية لطريقة تعامله مع العديد من الملفّات العربية والإقليمية وبعد قناعة العديد من العواصم العربية بضرورة عدم القطع مع تركيا بغضّ النظر عن الحزب الذي يقودها.

لا تعطي الفترة الزمنية القصيرة التي تفصلنا عن موعد جولة الإياب في المعركة الرئاسية كلا المرشّحين الفرص الكافية لإعداد برامج وخطط جديدة في حملاتهم الانتخابية. كلّ طرف سيستعين بأرشيف الوعود والمشاريع التي أعدّها واستخدمها قبل أسابيع وهو يخاطب الناخب. لكنّه سيستفيد من الأرقام الرسمية المعلنة في معرفة نقاط قوّته وضعفه وتحديد الاتجاه الذي سيتحدّث فيه ومن سيكون المعنيّ في الرسائل وأيّ منطقة ومدينة ستكون الأولويّة لها.

لم ينتصر حزب العدالة والتنمية ويأخذ كلّ ما كان يطمح إليه، ولم تُهزم المعارضة وتفشل في المواجهة بعد. صناديق 28 أيار المقبل هي التي ستقول لنا أكثر عن شكل المرحلة السياسية المقبلة في تركيا. لو كان إردوغان اختار بقاء النظام البرلماني لكان اليوم رئيساً من دون الدخول في معركة الإياب مع كيليشدار أوغلو. لكنّه في جميع الأحوال يذهب إلى المعركة الثانية وبيده الكثير من الأوراق والفرص التي سيلعبها في مواجهة منافسه. إردوغان متقدّم حزبياً وشعبياً ونفسياً على خصمه، فهل يستسلم كيليشدار أوغلو ويرمي المنشفة أرضاً قبل الصعود إلى الحلبة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »