حتّى لو خسر حزب العدالة الأردوغاني الانتخابات في 14 أيار المقبل، فمن الصعب تجاهل حقيقة أنّ رجب طيب إردوغان وحزبه سيكونان أصحاب الكتلة البرلمانية الكبرى تحت سقف البرلمان، وسينتظران اللحظة المناسبة للانقضاض عند أوّل اشتباك يقع بين أحزاب المعارضة من أجل تقاسم الكعكة، وهو ما لن يتأخّر كما يبدو.
مَن حشد مليون و700 ألف مواطن في مهرجان انتخابي بقلب مدينة إسطنبول، ومَن تضعه كلّ استطلاعات الرأي على رأس لائحة الأحزاب التي ستعلن فوزها في الانتخابات البرلمانية عشيّة 14 أيار المقبل، من حقّه القول إنّه دائماً في قلب المشهد الحزبي والسياسي التركي.
لكنّ السؤال يظلّ هو التالي: هل يكفي ذلك حزب العدالة ليبقى على رأس السلطة هو والرئيس إردوغان؟
طبعاً لا.
هما يحتاجان إلى دعم الناخب في المعركة الرئاسية ليحصل الرئيس التركي على 50 في المئة من الأصوات أوّلاً. وعلى تحالف الجمهور أن يحصد الأغلبية البرلمانية، وهي أكثر من 300 مقعد داخل مجلس النواب، لتكتمل الفرحة وتبقى الأمور تحت السيطرة لحقبة 5 سنوات مقبلة. عكس ذلك، وهو بين الاحتمالات، يعني مواجهة هزيمة جديدة بالنسبة لإردوغان وحزبه بعد خسارة أنقرة وإسطنبول في الانتخابات المحلية عام 2019.
ماذا يريد دولت بهشي؟
ربح إردوغان الرئاسة بنسبة 53 في المئة، لكنّه خسر الأغلبية البرلمانية في عام 2018. وجد نفسه ينسّق مع حزب الحركة القومية الذي قرّر دعمه من دون المشاركة في الحكم.
هل يواصل زعيم الحركة القومية دولت بهشلي ما فعله في السابق أم يطالب بحصّته بعدما تحمّل أعباء سياسية وحزبية مكلفة أمام مناصريه وقواعده الشعبية؟
لماذا لا يبقى بعيداً عن السلطة ما دامت أحزاب صغيرة مثل “الرفاه مجدّداً” و”حركة هدا بار” تريد نصيبها من قطعة الجبن داخل البرلمان، وهي تقرّر دعم إردوغان في المعركة الرئاسية؟
هناك 3 معضلات أساسية في هذا المجال:
معضلة أولى:
سيجد حزب العدالة والتنمية عشيّة إعلان النتائج البرلمانية أن لا خيار له هذه المرّة سوى إرضاء الحلفاء والشركاء، وهذا يعني تراجع حصّته في المجلس النيابي حتى لو كانت كتلته البرلمانية هي الكبرى.
معضلة ثانية:
سيجد حزب العدالة نفسه مجبراً أيضاً على إرضاء هذه الأحزاب بمنحها مقاعد وزارية إذا ما طالبت بذلك عند فوزه بالرئاسة، وهذا يعني أنّ تكتّل الجمهور هو الذي سيقود المشهد الحكومي هذه المرّة وليس حزب العدالة بمفرده.
معضلة ثالثة:
يعطي النظام الرئاسي التركي المعتمَد منذ عام 2017 الرئيس صلاحيّات واسعة. يفوز إردوغان بالرئاسة ويخسر حزبه البرلمان لصالح المعارضة. شكل العلاقة بين قوّتين سياسيّتين متناحرتين منذ سنوات لن يكون سهلاً. المسألة تستدعي هدنة سياسية وحزبية وتقبُّل قرار الناخب. فهل تتراجع القيادات خطوة إلى الوراء التزاماً بما أفرزته الصناديق وتذهب نحو سيناريو التعايش في حقبة سياسية جديدة عنوانها التريّث حتى عام 2028؟ أم تبقى حالة الاستنفار الحزبي تمهيداً لمواجهة انتخابية مبكرة قبل نهاية عام 2023؟
تغيير “دور” تركيا بالمنطقة
البعد الخارجي في نتائج الانتخابات مسألة لا يمكن تجاهلها أيضاً. ما يجري يعني سياسة تركيا الإقليمية والدولية في السنوات الخمس المقبلة. فمن حقّ موسكو وواشنطن وبكين والعواصم الأوروبية والإقليمية الفاعلة أن تقلق على مصالحها في ضوء النتائج. تغيُّر المعادلات في الداخل التركي يعني مساراً جديداً في سياسة تركيا الخارجية المتشابكة مع سياسات الكثير من الدول في ملفّات مشتركة. هناك من يهمّه خسارة إردوغان وحزبه، وهناك من يهمّه بقاؤهما على رأس السلطة. الدولة الوحيدة التي لن تتأثّر ولا تهتمّ كثيراً بما يجري في الداخل التركي قد تكون جزر المالديف. آخر ما قيل جاء على لسان رئيس حزب “وطن” دوغو برينشاك الذي يدعم حزب العدالة في مكان وينتقده في مكان آخر، هو أنّ أميركا تُعدّ “لتحريض برتقالي” في تركيا إذا ما فشل كمال كيليشدار أوغلو في الانتخابات. يتحدّث برينشاك انطلاقاً ممّا كتبته جريدة “واشنطن بوست” عن أنّ الانتخابات التركية هي أهمّ انتخابات يشهدها العالم في عام 2023. وفي ضوء ما ذكرته “الإيكونوميست” من دون لفّ ودوران “ستُظهر هزيمة إردوغان للديمقراطيين في كلّ مكان أنّ هزيمة الرجال الأقوياء أمر ممكن”. فردّ إردوغان أنّ بلاده “لن تسمح بتوجيه سياستها الداخلية وتهديد الإرادة الوطنية بأغلفة المجلّات التي هي جهاز تنفيذي للقوى العالمية”. عواصم وأجهزة سياسية ومراكز أبحاث إقليمية ودولية كثيرة ترصد الحدث التركي عن قرب لأنّ مصالحها مع تركيا تتطلّب ذلك.
هناك في واشنطن من يريد اعتبار انتصار كيليشدار أوغلو انتصاراً لأميركا وأوروبا. وهناك في موسكو من قد يعلن الفرحة عند فوز إردوغان وحزبه لأنّه سيعتبر ذلك هزيمة للكثير من العواصم الغربية.
ضعف المعارضة.. المفاوضات الكبيرة وأوغلو
بقدر ما هناك حالة من القلق في صفوف تحالف “الجمهور” الحاكم بسبب وقوف حزب الشعوب الديمقراطية المدعوم من قبل الصوت الكردي وراء كمال كيليشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، وبسبب انفتاح حزب العدالة على الأحزاب والتكتّلات الصغيرة في اليسار واليمين مثل “هدا بار” و”الديمقراطي اليساري” التي قد لا تقدّم له الكثير من الأصوات، بقدر ما هناك خيبة أمل في صفوف تكتّل الأمّة المعارض نتيجة ضعف حلفائه مثل حزب أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان اللذين كان يعوّل عليهما في توفير ما لا يقلّ عن 5 أو 6 في المئة من مجموع الأصوات، فيما تشير كلّ استطلاعات الرأي إلى صعوبة حصولهما مع حزب السعادة الإسلامي والحزب الديمقراطي على 5 في المئة من الأصوات. سيترك كلّ هذا حزب الشعب الجمهوري تحت رحمة حزب الشعوب، الذي يقدّم نفسه خزّانَ الصوت الكردي، والذي سيطالب حتماً بمكافأة سياسية على ما قدّمه لا نعرف مضمونها وحدودها بعد.
كانت نتائج انتخابات عام 2018 تقول إنّ حزب العدالة حصل على 42 ونصف في المئة من مجموع الأصوات، وإنّ حزب الشعب المعارض حصل على 22 ونصف في المئة، فيما تقاربت حصص الشعوب والقومي وحزب إيي مراوِحةً بين 10 و11 في المئة. لا أحد هذه المرّة يتبنّى الأرقام نفسها، وستكون المفاجآت كثيرة وكبيرة. هل تنقذ الحزبَ الحاكمَ حملاتُ إردوغان، التي ركّز فيها على الإنجازات الاستراتيجية العملاقة مثل السيّارة الوطنية وحاملة المسيّرات واستخراج الغاز من البحر الأسود واكتشاف النفط في جنوب شرق البلاد؟ أم يكون المواطن تحت تأثير حملات كمال كيليشدار أوغلو التي يتحدّث فيها عن أسعار البصل والبطاطا وغلاء المعيشة ووعود العودة إلى النظام البرلماني؟
إذا لم يجترح دولت بهشلي، شريك إردوغان في تحالف الجمهور، معجزة زيادة عدد أصواته باتجاه رفد أصوات إردوغان في الرئاسة كما فعل في السابق، فبيضة القبّان ستكون مرّة أخرى صوت حزب الشعوب الديمقراطية الذي يخوض المعركة تحت لافتة اليسار الأخضر. خصوصاً إذا ما تمكّن من الحفاظ على الأرقام التي وصل إليها في آخر انتخابات جرت في البلاد قبل 5 سنوات، أي 8 ونصف في المئة تقريباً في الرئاسة و11 ونصف في المئة في البرلمان.
إذا فشل أحد التكتّلين في حصد نتائج المعركة الرئاسية والبرلمانية معاً، وهي مسألة صعبة بالنسبة للحكم وأسهل للمعارضة المدعومة من حزب الشعوب الديمقراطية كما يبدو، فالسيناريو الوحيد الباقي هو انتصار تحالف الأمّة المعارض في البرلمان وخسارته الرئاسة لصالح إردوغان.
ما الذي ستقوله وتفعله القيادات والأحزاب عندئذٍ؟ هل تهادن وتذهب نحو احترام إرادة الناخب وتنتظر حتى عام 2028؟ أم تصعِّد وتبدأ بعد أسابيع بالدعوة لانتخابات مبكرة لتصفية الحسابات؟
المصدر:موقع اساس ميديا