إلى أي مدى يُمكن للحروب الإعلامية _ التأثير على الرأي العام و حسم الحروب العسكرية !!؟؟
كتبت فاطمة حاكمي
لا يختلف اثنان في أنّ وتيرة الإعلام _الذي يواكب الحروب بدأت تعرف توسعاً مُدهشا و تأثيرا كبيرا في صنع الرأي العام ، سيما مع ظهور السوشيال ميديا الى جانب الفضائيات و الإذاعات و الصحف …..لكن رجوعا للمعارك و الحروب التي وقعت عبر العصور ..
يجعلنا نتأكد أنّه من غير المعقول ، بل من الهذيان التصديق بأنّ للحروب الإعلامية دور محوري و فعّال في حسم المعارك و الحروب ، أو ترجيح كفّة طرف على الأخر..!!!بل الفيصل هو المعركة ذاتها و مستوى التحضير المادي من اسلحة و جيوش و خطط حربية مدروسة و فوق هذا الإيمان بالأهداف المتواخاة من هذه الحروب و المعارك ….
في تاريخنا المعاصر اتضحت الصورة جيّدا لدى الرأي العام بأن الحرب الإعلامية مهما كانت تقودها وسائل اعلام ثقيلة و سياسيون يجيدون الحديث أمام عدسات الكميرا
و يروجون للنصر الموعود….إلا أنها فشلت في صنع نشوة الانتصار في الواقع…
في حرب 1967 لم تتمكن الحرب النفسية و الدعاية الاعلامية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر من أن تصنع النصر من العدم و تبين أن القوة العسكرية هي الفيصل و صدق الشاعر أبو تمّام في بيته الشهير الذي انشده يوم فتح عمورية مُكذبا مزاعم المنجمين و القوالين الذين كانوا بمثابة الاعلاميين في ذلك الوقت ، فقد حاولوا نشر الانهزمية وسط جيش المسلمين باستحالة انتصارهم على جيش الروم إلا أنه أفحمهم في قصيدته “فتح عمورية بأن السيف هو الفيصل في المعركة
في قوله : السيف أصدق إنباء من الكتبِ ……..
في حده الحدّ بين الجدّ و اللعبِ
في غزو العراق سنة 2003 من منا لا يتذكر المؤتمر الصحفي الذي كان يعقده يوميا وزير الاعلام العراقي سعيد الصحّاف و تصريحاته التي جعلت الجميع يُصدق أن الجيش العراقي يحقق الانتصار تلوى الانتصار و نصر قريب ،في الوقت الذي كانت العراق تتهاوى عمرانا و جيشا و حكومة و بين عشية. ضحاها اعتقل الصحاف و سقطت بغداد…و اتضح للجميع أن تصريحات وزير الاعلام لا تعدو ان تكون حربا اعلامية نفسية كسراب يحسبه الضمآن ماء. …و الكلام يطول عند الحديث عن غزو ليبيا و الحرب الاعلامية التي كان يقودها سيف الاسلام القذافي بظهوره أمام وسائل الاعلام لإيهام العالم أن الوضع في ليبيا تحت السيطرة و النتيجة يعرفها الجميع هروب سيف الاسلام و العثور على الرئيس الراحل مختبئا..
هذه أمثلة فقط من وقائع و أحداث شهدها العالم العربي على مرّ العصور أكدت ان الإعلام مهما بلغ من قوة و ذكاء و دهاء لا يمكنه حسم المعركة ، بل لم و لن يكون له تأثير في ترجيح الكفة و الانتصار على العدو…!!
لكن رغم ذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل دور الإعلام في الحرب النفسية و الاعلامية ، إن في صنع الرأي العام أو في بث العزيمة وسط الجيوش و التشتت و الانهزامية بين جيوش العدو….و الحروب العسكرية لا يمكنها أن تستغني عن الإعلام الحربي…
لقد تمكنت أمريكا عسنة 1991 من كسب حرب العراق الأولى اعلاميا بما كانت تبثه عبر قناة cnn من إشاعات و أكاذيب بأنها دخلت العراق و هذا لم يحدث وقتها ، لكن تأثير الحرب الدعائية عن طريق تلك القناة لعب لعبته في احباط الجيش و الشعب العراقي و العربي ككل .
قام الرئيس الروسي “فلادمير بوتين” بتكريم المؤثرين على السوشيال ميديا الذين وقفوا الى جانب روسيا و أيدوها في حربها على أوكرانيا ، و خاطبهم بقوله: إن القتال في مجال المعلومات هو قتال في ساحة المعارك ، و أن اعتمد على مساعدتكم كثيرا ..!!
لقد أعطى بوتين بهذا الموقف مع مؤثري السوشيال ميديا صورة لموقف الدول العظمى اتجاه الحروب الاعلامية و أن دورها و تأثيرها لا يقل عن دور و تأثير الحرب العسكرية!!!
لا يمكننا تجاهل دور الإعلام في الحروب و النزاعات ، لكن في الوقت نفسه لا يمكن اعتبار هو الحاسم فيها ، لكن مع التطور الرهيب لوسائل الاعلام اليوم و سرعة انتشارها و التي حولت العالم الى قرية صغيرة ، اصبح من الضروري الاعتراف بمدى تأثريها النفسي على الجيوش و على الرأي العام و على الحكام ..
أصبح لزاما اليوم مواجهة الحروب الدعائية الاعلامية التي يقودها الغرب و أمريكا بما فيها من تضليل و إشاعات مغرضة و تلاعب بالرأي العام بالفطنة و الذكاء و بحروب اعلامية فاعلة في تعبئة الرأي العام و ليست حربا لتأجيج الصّراعات و النزاعات …