اقتصاد

هل نجحت محاولات الاستغناء عن الدولار_الأميركي وما الذي يدفع بعض الدول للتخلص من “الأخضر البراق”؟

لعله منذ أن تبلور نظام “بريتون وودز” عام 1945، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تسيطر عملة ورقية ما على مقدرات الاقتصاد العالمي، بقدر ما فعل الدولار، تلك الأوراق الخضراء التي لها فعل السحر وقوة السطوة، ولهذا فإن 85 في المئة من مدفوعات التجارة العالمية كانت وربما لا تزال تجري من خلالها

وفر صعود الدولار الأميركي للولايات المتحدة في العقود الماضية قوة ومقدرة لم تتوافرا لأي دولة حول العالم، وبحسب دراسة نشرتها مجلة “ناشونال إنترست” في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، فإن الدولار استحوذ على 88 في المئة من نسبة المعاملات العالمية التي تم تداولها في آخر 18 عاماً، الأمر الذي يعكس عمق سوق الأوراق العالمية ومؤسساتها في التجارة الدولية.

غير أن العقدين الأخيرين، ومع بدايات الألفية الثالثة، بدأت تعلو أصوات مختلفة الأعراق والأجناس، تنادي بحتمية التخلص من الدولار وإيجاد عملة أو سلة عملات بديلة.

 

عرفت تلك الأصوات بـ”الهاربين من الدولار”، مما يستدعي تساؤلات حول تلك التجارب، وهل نجحت أم أخفقت؟ وما إذا كان الاستغناء عن الدولار سيحدث إن آجلاً أو عاجلاً، وبفعل أسباب مرتبطة ببقاء الولايات المتحدة على قمة العالم، أم تراجعها وظهور أقطاب دولية وتجمعات بشرية أخرى، حكماً ستقتطع نصيبها من الكعكة العالمية؟

 

والمؤكد أنه على رغم تحكم الدولار في أوضاع العالم الاقتصادية، فإن نصيبه في الأعوام الأخيرة ضمن احتياطات النقد الأجنبي العالمية تراجع، إذ بلغت 58.8 في المئة من إجماليها البالغ 12.9 تريليون دولار في الربع الأخير من العام الماضي، وبذلك فإن حصة الدولار هي الأدنى في 20 عاماً، وانخفضت من نحو 70 في المئة قبل عقدين وتراجعت من 59.2 في المئة في الربع الثالث من العام الماضي.

ماذا عن أهم محطات الهرب والهاربين من الدولار الأميركي خلال السنوات العشرين الماضية؟

صدام حسين… اليورو مكان الدولار

هل كان الدولار أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الغزو الأميركي للعراق عام 2003؟

المعروف أن السبب الرئيس الذي تذرعت به إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، وعلى أساسه انطلقت في مسيرة تدمير العراق وتقطيع أوصاله، هو حيازته أسلحة دمار شامل، وهي فرية كان الجميع يعرفها، ولاحقاً اعترفت أصوات أميركية عدة بالأمر، لكن بعد خراب مالطا، كما يقال.

على أن الغوص عميقاً في أسرار ذلك الغزو يقودنا إلى توجه صدام حسين للتخلص من التعامل بالدولار، وتفضيل اليورو عليه.

 

أحد أهم الخبراء الاقتصاديين الذين أدركوا أبعاد العلاقة بين الاستغناء عن الدولار والغزو الأميركي إرنست وولف، الذي لم ينفك يتحدث عن “التسونامي الاقتصادي” الذي سيتسبب فيه الدولار للاقتصاد العالمي، والذي يقطع بأن صدام حسين كان من الهاربين الأوائل من خطر انهيار الدولار، وحاول بيع ما لديه من النفط بعملة اليورو، لكن الغزو الأميركي لم يمهله كثيراً لتنفيذ خطته قبل أن يعدم.

أما الباحث الأميركي وليام كلارك فيرى أن صدام حسين مارس أسلوبه المعتاد وهو استخدام الاقتصاد لخدمة السياسة وليس العكس، ولهذا قرر عام 2000 اعتماد اليورو وليس الدولار ثمناً للنفط العراقي.

لم يكن الأمر سهلاً أو يسيراً على أميركا القبول به، وقد قاومت بالفعل في مستهل الأمر، لكنه نجح في المعركة وحول عشرة مليارات دولار من احتياطي النفط مقابل الغذاء إلى اليورو وبدأ بالفعل في تسلم دفعات بالعملة الأوروبية الموحدة.

كانت خطوة صدام مغرية لإيران أن تقوم بالأمر نفسه، الأمر الذي كاد يتسبب في أن يفقد الدولار الأميركي ربع قيمته، والأسوأ كان حاضراً إذا مضت دول أخرى من “أوبك” خلفهما، والعهدة هنا على الراوي “الأوبزرفر” البريطانية.

هل امتد النسق الصدامي لجهة ليبيا معمر القذافي في أواخر أيامه؟

هذا ما جرى بالضبط لكن الاضطرابات السياسية المثيرة التي جرت في بلاده، والتي انتهت بمقتله، أنهت الآمال والأحلام الليبية في الاستغناء عن الدولار مرة وإلى الأبد.

من أيضاً في صف الهاربين من الدولار، الذين لا يمكن لأميركا أن تسعى إلى إسقاطهم عبر القوة المسلحة كما حدث مع النموذجين العراقي والليبي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »