مقالات

المرأة بين النصوص القانونية… والواقع

المحامية حنان جواد

Marwan Naamani/picture-alliance/dpa/AP Images

 

المرأة اللبنانية  في الاستقلال الأول للجمهورية ، وافق لبنان صراحة في مقدمة دستوره على المواطنة كعلاقة تجمع بين اللبناني ودولته ،فأين المرأة من الجمهورية اللبنانية؟

إن التعريفات الكثيرة التي وضعت للمرأة قاصرة عن إعطاء تعريف واضح لها، ولكن وفي مضمار الواقع، من منا لا يعلم ان المرأة شريكة في المجتمع.

ان من ينكر هذه الحقيقة، يجهل الكثير الكثير، فتعريف المرأة لا يجب أن يغفل الحاجة الى وجودها من اجل صلاح الافراد والمجموعات ككل. ولقد ذكرت افراد ومجموعات، لان التعريف الاصلح للمجتمع هو القائم على المساواة في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين، وهي الكلمة المفتاح لموضوع المرأة اللبنانية.

شهدت الحقبة الأخيرة، الكثير من التجاذبات حول تعريف المرأة من جهة واكتشاف الحاجة الفعلية لدورها من جهة ثانية.

وفي هذا السياق نصت مقدمة الدستور اللبناني في الفقرة الثالثة منه على ما يلي: “لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل.”

وبالتالي تكون مقدمة الدستور قد تبنت المساواة والتمتع بالحقوق لكلا الجندرين “الرجل والمرأة” بشكل واضح فيما يخص الحقوق والواجبات. ونذكر منها، حمل الجنسية اللبنانية ، الترشح، العمل ،الاجر، دفع الضرائب، الوظائف، حرية المعتقد، حرية التعبير …الخ

هذا من الناحية الدستورية، الا انه لا يخفى على احد ان القانون اللبناني لم يوفق الى اعتماد هذه المساواة في متن تشريع القوانين بحيث ان الحرية التي يتغنى بها الوطن ، وقفت عاجزة عن اشتراع قوانين تراعي المساواة ايضاً!

فنسبة النساء اللواتي يعملن في سوق العمل تعادل الرجال، ولكن تختلف التفاصيل من حيث المساواة في الحقوق على الرغم من انها تقوم ويقع عليها عبئ الواجبات الدستورية والقانونية نفسها.ولعل ذلك يقع في سياق التأثر الثقافي المجتمعي بالمفاهيم القديمة والغير العادلة عن المرأة وفي أحيان كثيرة غير حقيقية ايضاً.

يذكر ابن عربي في كتابه عن الحكمة ، ان الحقوق والواجبات سبيل لتحقيق عقد اجتماعي مرتكز، وينظر الى المرأة كأصل وليس كتابع وهو ما عبر عنه في كتابه عن  النشأة الإنسانية الأولى .

وهنا نعود الى مفهوم العدالة الاجتماعية وضرورة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة مع الحاجة اليها في تكوين مجتمع سليم وفاعل ومنتج ايضًا.

فأين لبنان من هذه المجالات ، وهل اقتصر دور المرأة فيما نصت عليه  القوانين  المحلية ؟

يعود مشهد  في المطالبة بحقوق المرأة في مجال العمل السياسي والتشريعي بحيث ان الكوتة النسائية احتلت المرتبة الأولى في الماطلبة بالمساواة وذلك لأهميتها. فوضع “كوتة نسائية” في لوائح الترشح بحيث تكون اللوائح مناصفة او ملزمة بعدد مرشحات معين، نصف او 8 مرشحات مثلاً! وهو ما يعيدنا الى نقطة يثار حولها الجدل والخلاف عادةً.

فهناك فريق يعتبر ان امر الكوتة النسائية دليل ان المرأة لم تزل غير جاهزة لمعترك العمل الاجتماعي السياسي ، وأمر فرض “كوتة” مخالف للمعايير الديمقراطية

وهناك فريق اخر يعتبر ان الكوتة النسائية حل ثقافي يعزز المساهمة بتمكين المرأة ، بحيث يرفض عدم جهوزيتها ، ولكن المفاهيم والأعراف السائدة هي التي تحول دون اخذها المكانة التي تستحقها واستحقتها عن جدارة في المضمار عينه.الامر الذي يؤكد لبنان عليه عبر الاتفاقيات التي وقعها حول حقوق المرأة بشكل خاص وحقوق المواطن بشكل عام فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الوارد ذكرها في الإعلان العالمي لحقوق الانسان . فقد ساهم لبنان بوضع التشريع الحديث للحقوق في هذا المجال الذي يعترف عبره بجميع الحقوق للمرأة ليصل الامر الى النقاش في مجلس النواب فيقف بسبب عدم كفاية الأصوات التي تدعم هكذا تشريعات وضعية تكون على شكل قانون يتمتع بصفة الامر. وفي ظل الازمة الاقتصادية فإن الاثار التي خلفتها طالت المرأة على حد السواء مثلها مثل الرجل.

النقطة التي تؤكد ان الواجبات تقع على عاتق الجندرين وليس الرجل فقط.

والجدير ذكره ان التجربة اللبنانية منذ استقلال جمهوريتها حققت هذا الإنجازات في هذا المجال ولكن بوتيرة بطيئة نوعاً ما.

الامر الذي ينسحب على مجمل المواطنين ايضاً وليس النساء فقط!

كيف تكون المرأة شريكة في عملية الإصلاح ومحاربة الفساد ؟

وجدت وحتى قبل الحراك الشعبي الأخير ، في 2019 صورة واضحة عن قوة المرأة اللبنانية ومقاومتها في شتى المجالات العملية والعلمية ، للازمات المتلاحقة على ارض الوطن.

فمن المسارعة الى تبني الأفكار التي يحتاجها العمل الاجتماعي من المساهمة في التثقيف والوعي الذاتي والعائلي والمهني ، مشاركتها في النقابات والعمل النقابي ، الترشح على الانتخابات بظل الظروف والأجواء المحمومة في الآونة الأخيرة ، انبثقت الجهود لتكون نائب في البرلمان بعدد 8 نواب نساء ، كذلك فإنها ناشطة على الأرض في مكافحة الفساد وملفاته ، حتى انها باتت أقرب أكثر من ذي قبل لمفهوم تحقيق الذات على قدم المساواة مع الرجل ، وعلى الرغم من تغييبها فترات طوال قبل، وبجهود تصل أحيانا كثيرة لتكون فردية وفريدة في أن معاً. نذكر منها الوقفات ” الإحتجاجية ” التي قامت بها نساء عين الرمانة-الشياح والذي عبرت عنه الأمهات
اللبنانيات عن رفضهن لأي محاولة فتنة قد تؤدي الى إقتتال او تسلح او حروب.
ونزعت  عبره  ، فتيل حرب وفتنة  حينها.

ختاماً لا ننسى قوانين العمل حيث أعطيت المرأة حق الحصول على الزوائد والحقوق في العمل من ساعات عمل واستراحة واجر متساوي  ليكون المعيار هو الإنتاجية وليس عدم المساواة بينها وبين زميلها الرجل. كذلك القوانين التي تحميها من أي استغلال أو تعرض ” قانون منع التحرش وتجريمه” ، حق الترشح عبر إقرار قانون الانتخابات على أساس النسبية.
إن المسار وإن كان في فترة زمنية وجيزة لا تتجاوز الاربعون سنة فعلية، فقد حققت المرأة اللبنانية ما كان على الرغم من الصعوبات التي واجهها اللبنانيون كافة على جميع الاصعدة، وذلك ان المرأة اللبنانية في ظل الظروف العسيرة تكون قد حققت ما حققته تباعا لما يطلبه منها الدستور ، على امل ان تراعي القوانين القادمة حقوقها وتلحظها كما تلحظ واجبات المواطنة على المرأة اللبنانية بعيداً عن الأعراف القديمة التي تعيق تقدم المجتمع ككل وليس فقط تقدم المرأة.

الناشطة في مجال حقوق الإنسان المحامية حنان جواد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »