بوتين رئيساً،، ماذا بعد؟
د. سلام العبيدي
كما وعد الكرملين، حصد فلاديمير بوتين نسبة تقترب من 90% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية غير المسبوقة (النسبة الفعلية 87,28%)، التي شارك فيها عدد قياسي من الناخبين يزيد على 77%.
أول ما صرح به الزعيم الذي تجددت بيعته هو أن الحرب ستستمر حتى النصر
لكن الباب للمفاوضات يبقى مفتوحا شريطة أن لا تجري بسبب نفاد ذخيرة العدو، وانما لتحقيق سلام مستدام يلبي مطالب روسيا.
في الواقع، حدد فلاديمير بوتين الشرط الأساسي للمفاوضات التي يمكن أن تضع حدا للقتال: إقامة منطقة عازلة في أراضي أوكرانيا بعمق لا يسمح لقواتها المسلحة بضرب الأراضي الروسية بما تمتلك من أسلحة غربية.
إذا أخذنا في نظر الاعتبار أن أبعد مدى لصواريخ Storm Shadow التي تمتلكها أوكرانيا يصل إلى 290 كم
يمكننا أن نتصور أين يرى الرئيس الروسي الحدود الجديدة لبلاده بعد الحرب.
عمليا، يجري الحديث عن ضم أجزاء واسعة من شرق وجنوب أوكرانيا، على وجه التحديد – خاركوف ونيكولايف، وربما حتى أوديسا
وفق نائب رئيس مجلس الامن الروسي دميتري ميدفيديف، لتأمين تواصل بري مع اقليم ترانسنيستريا ذي الأغلبية الناطقة باللغة الروسية، الذي يقع بين أوكرانيا ومولدوفا.
بينما إنغمست الولايات المتحدة حتى القمقم في المعركة الانتخابية التي لا تبشر خيراً للديمقراطيين
زد على ذلك انشغال واشنطن السياسي والدبلوماسي وحتى المالي والعسكري في العدوان الاسرائيلي على غزة، تتضاءل فرص وحجم المساعدات العسكرية الاميركية لأوكرانيا.
واقع يفرض على الأوروبيين أن يتحملوا العبء الأكبر للحرب الاوكرانية.
الإشارات التي بدأت تتلقاها موسكو من كل من باريس وبرلين تدل على أن أكبر وأهم دولتين في الاتحاد الأوروبي – ألمانيا وفرنسا
هما أيضا تبقيان الباب مفتوحاً للتفاوض مع بوتين، على الرغم من عدم إعترافهما بنزاهة وشرعية الانتخابات الروسية.
في العواصم الأوروبية، وحتى غير الأوروبية، هناك في الآونة الأخيرة المزيد والمزيد من الحديث عن اعادة إعمار أوكرانيا.
على سبيل المثال، فنلندا أعلنت منذ فترة وجيزة عن طرح مناقصات
وتبحث عن مقاولين لتنفيذ مشاريع اعادة تأهيل مرافق الطاقة
وتصفية المياه والصرف الصحي والمستشفيات وغيرها من المشاريع.
هذا دليل إضافي على غلبة خيار المفاوضات على خيار الحرب في ظروف تفاقم المشاكل الاقتصادية في القارة العجوز الى درجة قد تقود إلى انفجارات إجتماعية في دولها.
الاتحاد السوفييتي السابق عاش عقودا في ظروف العزلة والحصار والعقوبات الغربية.
بل ان دولا عديدة لم تعترف بالاتحاد السوفييتي إلا بعد الحرب العالمية الثانية.
لكن ذلك لم يمنع تلك الدول من التعاطي مع موسكو حتى في زمن الحرب الباردة على مبدأ الندية والاحترام المتبادل للمصالح.
آنذاك تم استحداث مصطلح “التعايش السلمي” بين المنظومتين الاشتراكية والرأسمالية.
تصريحات بعض القادة الأوروبيين، ومن بينهم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، تشير إلى ان الأوروبيين هم ايضا يبحثون عن مصطلح يرمز إلى التعايش مع الواقع الجديد الذي تفرضه روسيا على الأرض الاوكرانية.
في الحقيقة، كثيرون في أوروبا بدأوا يملكون من الجرأة والشجاعة
ما تجعلهما يتحدثون أكثر فأكثر عن الخروج من تحت الوصاية الاميركية.
هذا لا يعني أبداً أن الأوروبيين يريدون السلام والوئام مع موسكو.
بلدان مثل بولندا وثلاثي دول البلطيق وغيرها يكنون عداءات تاريخيّة لروسيا.
كل ما في الأمر، ان الاتحاد الأوروبي يسعى إلى اعادة بناء نفسه والاعتماد على قدراته الذاتية، بعد أن فقد الكثير من استقلاليته ودفع فواتير المغامرات الاميركية الرعناء ليس في أوكرانيا فحسب، وانما في مناطق اخرى من العالم. في أوروبا يحسبون الحساب ايضا لفوز دونالد ترمب في الانتخابات الاميركية والآفاق الرمادية التي تنتظر التحالف الاوروأطلسي بعده.
وحتى ذلك الحين سيستمر القتال ويقع قتلى وفقدان المزيد من الأراضي
بل قد تشهد أوكرانيا تغيرات سياسية كبيرة مع إقتراب الموعد الدستوري للانتخابات الرئاسية
التي لا يزال الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي يرفض إجراءها
ربما لأنه يخشى من شكل أوكرانيا المستقبلي على الخريطة السياسية للعالم
لكيلا يكون هو من فرط بأرض وشعب ومصير بلاده!